Tuesday, November 27, 2018

قد يبذل الضحايا جهدا كبيرا لاستماحة العذر لمغتصبيهم

وربما اتفق التصور التقليدي للاغتصاب مع مواقف الصراع والحروب والكوارث الطبيعية، حيث تجوب عصابات مسلحة تغتصب النساء، فالاغتصاب سلاح معروف من أسلحة الحرب، وحين تعم الفوضى يتفشى العنف الجنسي. وهذا التفشي نفسه قد يضيق تعريف الاغتصاب أكثر لدى مجتمع ما.
تعمل رانيت ميشوري مستشارة طبية مع منظمة "أطباء مدافعون عن حقوق الإنسان" التي تدير برنامجا مناهضا للعنف الجنسي في مناطق الصراع، يشمل بقاعا منها جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث الصراع مستمر منذ عقود. تقول ميشوري إن "الاغتصاب أصبح كأنه أمر عادي".
وتضيف: "وفق إحدى الدراسات، قال ثلث الرجال للمحققين إن النساء يرغبن في أن يغتصبن وربما تمتعن بالاغتصاب. والضحايا يتأثرون بعمق بتلك الرسائل حتى يصير الاعتداء شرا لابد منه أو أمرا يتعين على النساء التعايش معه وليس جريمة شنعاء! وهذا أمر شائع في بلدان وثقافات عدة حيث ينظر للذكر باعتبار أن له الحق فيما شاء من جنس".
وأيا كان السياق، تحذر بيترسون قائلة: "سواء وصِف الاعتداء الجنسي أو الاغتصاب كذلك أم لم يوصف فإن هذا لا يقلل من وقع الصدمة التي تصيب الضحية".

ومن الأمور المحيرة أنه حتى بعد الإقرار بالاعتداء تتواصل علاقة الضحية بمغتصبها، كأن يُلزم القانون المغتصب بالزواج من ضحيته، وفي ذلك حماية للمغتصب من المقاضاة وتلك القوانين قائمة في بلدان مثل الجزائر والفلبين وطاجيكستان، وحتى في بلدان ليس فيها قوانين من هذا القبيل أحيانا تلجأ الضحية لمواعدة مغتصبها في محاولة للإقلال من وقع الصدمة أو استعادة زمام السيطرة المفقودة - وهذا أمر مفسر سيكولوجيا فالأشخاص يتجاوبون بطرق شتى مع الصدمة وفق قناعاتهم التي تأبى أن تنظر إلى الزوج مثلا أو الصديق بأنه غير أهل للثقة. الذهن للنفي والإنكار للتعامل مع الصدمات، ويكون من الأيسر التصديق أن ما حدث لم يكن اغتصابا في الحقيقة.
وتقول كايتي راسيل، المتحدثة باسم منظمة مساعدة ضحايا الاغتصاب في انجلترا وويلز، إن الناس قد يجدون صعوبة جمة في تسمية الزوج مثلا أو الزوج السابق كمغتصب، ولاشك أن البوح بذلك أمر عسير "ليس على الملأ فحسب، بل أيضا في دائرة ضيقة أو حتى للنفس".
وترى بيترسون مرجع ذلك في "الفكرة الشائعة بأن المغتصب شخص مجرم ومنحرف بالسليقة"، بينما الواقع المؤسف أن الاعتداءات تحدث في كل مكان من أشخاص لا نتوقعهم. وقد وجدت أن النساء يحجمن عن التفكير في ما تعرضن له من اعتداء كاغتصاب لأسباب عدة منها:
•عدم رغبتهن في وصف المعتدي بالمغتصب ("في البداية تضايقت، ولكني أهتم به ولا أريد أن يوصف بالمغتصب")
خشية التفكير في كل الرجال كمغتصبين ("يبدو كغيره من الرجال الذين قابلتهم لا يختلف عنهم")
•"الاغتصاب" كلمة ثقيلة ("أسهل عليّ القول إن أول مرة لم تكن باختياري")
وكثيرا ما يستنفد الضحايا، خاصة الفتيات والنساء، جهدا كبيرا في محاولة استماحة العذر للمعتدي ومحاولة الإقلال من شأن الاعتداء باعتباره "سوء فهم أو سوء تواصل" أو "ممارسة غير صحيحة"، وتحميل اللائمة لوجهة أخرى، لأن تبعة وصف الأمر بالاغتصاب ثقيلة تبدأ بالنميمة واللوم وتنتهي بمصاعب اقتصادية ونبذ الأسرة للضحية والوصم الاجتماعي.

No comments:

Post a Comment